موضوع: وصول الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض كربلاء الأربعاء 30 نوفمبر 2011 - 19:39
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك أعدائهم إلى يوم يبعثون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
السلام على الحسين .. وعلى علي ابن الحسين .. وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ..! السلام على الدماء السائلات .. السلام على الشيب الخضيب .. السلام على الجسد السليب ..! السلام على الأنصار الذين بذلو مهجهم دون الحسين .. ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما ..!
وفي الطريق إلى الكوفة ، إلتقى الإمام الحسين (عليه السلام) بالحرّ بن يزيد الرياحي ، وكان مُرسلاً مِن قِبَل ابن زياد في ألف فارس ، وهو يريد أن يذهب بالإمام إلى ابن زياد ، فلم يوافق الإمام الحسين على ذلك ، واستمرّ في السير حتى وصل إلى أرض كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم سنة 61 للهجرة . فلمّا نزل بها ، قال : ما يُقال لهذه الأرض ؟ فقالوا : كربلاء ! فقال الإمام : «اللهم إنّي أعوذُ بك من الكرب والبلاء» ، ثم قال لأصحابه : إنزِلوا ، هاهنا مَحَطّ رحالنا ، ومَسفك دمائنا ، وهنا محلّ قبورنا . بهذا حدّثني جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .(1) قال السيد ابن طاووس في كتاب «الملهوف» : لمّا نزلوا بكربلاء جلس الإمام الحسين (عليه السلام) يُصلح سيفه ويقول :
يـا دهرُ أفٍ لك من خليل**كم لك بالإشراق و الأصيل**مِن طـالبٍ وصاحبٍ قتيل**و الدهـر لا يقنـعُ بالبَديلوكـلّ حيّ سالكٌ سبيلـي(2)**ما أقربَ الوعد من الرحيلِ
وإنّما الأمر إلى الجليلِ
فسمعت السيدة زينب بنت فاطمة (عليها السلام) ذلك ، فقالت : يا أخي هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل ! فقال : نعم يا أختاه . فقالت زينب : واثكلاه ! ينعى إليّ الحسين نفسه .
وبكت النِسوة ، ولَطمن الخدود ، وشقَقن الجيوب ، وجعلت أمّ كلثوم تنادي : وامحمّداه ! واعليّاه ! وا أمّاه ! وا فاطمتاه !واحَسَناه ! واحُسيناه ! واضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله ... إلى آخره .(3) ورَوى الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) هذا الخبر بكيفيّة أُخرى وهي : قال علي بن الحسين [زين العابدين] (عليهما السلام) : إنّي جالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خِباء له(4) ، وعنده جوين مولى أبي ذرٍ الغفاري ، وهو يعالج سيفه(5) ويُصلحه ، وأبي يقول : يا دهـر أفّ لك من ** خليل**كم لك بالإشراق والأصيلمِـن صاحب وطالبٍ قتيل**والدهـر لا يقنـع بالبديلو إنّمـا الأمـر إلى الجلل**وكلّ حـي سـالكٌ سبيلي
ــــــــــــــــــ فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ، حتّى فهمتُها ، وعَرفت ما أراد ، فخَنَقتني العبرة ، فرددتها ، ولَزِمتُ السكوت ، وعلِمت أنّ البلاء قد نزل .
وأمّا عمتي : فإنّها سَمِعت ما سمعتُ ، وهي إمرأة ، ومن شأنها النساء : الرقّة والجزع ، فلم تِملِك نفسها ، إذ وَثَبت تجرّ ثوبها ، حتى انتهت إليه فقالت : واثكلاه ! ليتَ الموت أعدَمَني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثِمال الباقين ! فنظر إليها الإمام الحسين فقال لها : يا أُخيَّة ! لا يُذهِبنّ حِلمَك الشيطان . وتَرقرَقَت عيناه بالدموع ، وقال : يا أُختاه ، «لو تُرك القَطا لغَفا ونامَ»(6). فقالت : يا ويلتاه ! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ؟(7) فذاك أقرَحُ لقلبي ، وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت وجهها ! وأهوَت إلى جيبِها فشقّته ، وخرّت مغشيّاً عليها . فقام إليها الإمام الحسين (عليه السلام) فَصَبّ على وجهها الماء ، وقال لها :
إيهاً يا أُختها ! إتّقي الله ، وتَعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأنّ أهل السماء لا يَبقون ، وأنّ كلّ شيء هالِك إلا وجه الله ، الذي خلق الخلق بقُدرته ، ويَبعث الخلق ويعيدهم وهو فردٌ وحده .
جدّي خيرٌ مني ، وأبي خيرٌ منّي ، وأُمّي خيرٌ منّي ، وأخي [الحسن] خيرٌ منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسوة . فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : «يا أُختاه إني أقسمتُ عليكِ ، فأبِرّي قَسَمي(8). لا تَشُقّي عَلَيّ جَيباً ، ولا تَخمشي عليّ وجهاً ، ولا تَدعي عليّ بالويل والثُبور إذا أنا هلكتُ» . ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه ...(9)
أقول : سمعتُ من بعض الأفاضل : أنّ هذه الأبيات كانت مشؤمة عند العَرب ، ولم يُعرف قائلُها ، وكان المشهور عند الناس : أنّ كلّ مَن أحسّ بخطر الموت أو القتل كان يتمثّل بهذه الأبيات .
ولا يَبعدُ هذا الكلام من الصحّة ، لأنّ الأبيات مُشتملة على عتاب الدهر وتوبيخه لا غير ، ولعلّ لهذا السبب أحسّت السيدة زينب باقتراب الخطر من أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) وقالت : هذا الحسين يَنعى إليّ نفسه . وهكذا الإمام زين العابدين (عليه السلام) تَراه قد استَنبَطَ من قراءة هذه الأبيات نُزول البلاء . حيث إنّ هذه الأبيات لا تُصرّح ـ بظاهرها ـ بشيء من هذه الأمور ، كخطر الموت أو اقتراب موعد القتل .
هذا .. والظاهر أنّ نهي الإمام الحسين أُخته السيدة زينب عن شقّ الجيب وخَمش الوجه إنّما كان خاصّاً بساعة قتل الإمام ، بعد الإنتباه إلى قول الإمام : «إذا أنا هلكتُ» .
وبعبارة أخرى : إنما منَعَها أن تَشُقّ جيبها أو تخمش وجهها ساعة مصيبة مقتل الإمام وشهادته . والسيدة زينب إمتثَلت أمر أخيها ، ولم تفعل شيئاً من هذا القبيل عند شهادة الإمام في كربلاء . وإنّما قامت ببعض هذه الأعمال في الكوفة ، وفي الشام في مجلس يزيد ، عندما شاهدت ما قام به يزيد (لعنة الله عليه) من أنواع الإهانة برأس الإمام الحسين عليه السلام .
ولعلّ نهي الإمام أخته عن شقّ الجيب ـ في تلك الساعة أو الساعات الرهيبة ـ كان لهذه الحِكمة : وهي أن لا يظهر منها أثر الضعف والإنكسار والإنهيار ، أمام أولئك الأعداء الألدّاء ، فقد كان المطلوب من السيدات ـ حينذاك ـ الصبر والتجلّد وعدم الجزع أمام المصائب .
لانّ هذا النوع من الشجاعة ـ وفي تلك الظروف بالذات ـ ضروري أمام العدوّ الحاقد ، الذي كان يتحيّن كلّ فرصة للقيام بأيّ خطوة تُناسب نفسيّته اللئيمة ، تجاه تلك العائلة المكرّمة الشريفة ، وكانت مواجهة الحوادث بصبر جميل ومعنويّات عالية ، تعني تفويت الفُرص أمام تفكير العدوّ القيام بأيّ نوع من أنواع الاعتداء والإهانة وسحق الكرامة تجاه تلك السيدات الطاهرات المفجوعات ، اللواتي فقدن المُحامي والمدافع عنهن ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب «الملهوف» ص 139 . (2) وفي نسخة :
وإنّما الأمر إلـى الجليـل وكـلّ حيّ فإلـى سبيلـي ما أقرب الوعد إلى الرحيل إلـى جنـانٍ وإلى مقيـلِ (3) كتاب (الملهوف على قتلى الطفوف) للسيد علي بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هـ ، ص 139 . (4) خِباء : خيمة . (5) ضمير هو : يرجع إلى جوين ، يُعالج : يُحاول إعداده للإستعمال في القتال . (6) القطا : طائرٌ معروف ، واحدة : القطاة . قالوا ـ في الأمثال ـ : «لو تُرك القطا ليلاً لَنام» يُضرَبُ مثلاً لِمَن حُمِل أو أُجبِر على مكروه من غير إرادته ، وذلك أنّ القطا لا يطير ليلاً إذا أذا أزعجوه وأفسدوا عليه راحته ، فإذا طار القطا ليلاً كان ذلك علامة على أنّ عدوّاً يُلاحقه . ومعنى كلام الإمام الحسين (عليه السلام) : إنّ العدوّ لو كان يتركُنا لكنّا نَبقى في وطننا في المدينة ، ولكنّه أزعجنا وأخرجَنا من بلادنا ، وسيَبقى يُلاحقنا إلى أن نَسلَم منه أو يَقتُلنا . المحقق (7) أي : تُقتَل ظُلماً وقَهراً . (8) أبرّي قَسَمي : أجيبيني إلى ما أقسَمتُكِ عليه ، ولا تَحنَثي ذلك . كما في «لسان العرب» . المحقق (9) كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص 232 . وذكره الطبري ـ المتوفّى عام 310 هـ ـ في تاريخه ج 5 ص 420 .