الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله ..وبعد :
يقول الله تبارك وتعالى :
(ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء
تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم : 28 )
(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن
يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) (الروم : 29 )
يضرب الله تعالى مثلا للمشركين مأخوذًا من أنفسهم على بطلان الشرك فيقول :
هل ترضون لأنفسكم أن يشارككم عبيدكم في أموالكم التي رزقكم الله إياها إلى
حدِّ أنكم تهتمون بهم وتخافون من مخالفتهم كما تخافون من شركائكم من
الأحرار ؟ فسيقولون : لا لن يكون ذلك, فإذا كنتم لاترضون مشاركتهم إياكم –
والحال أنكم وإياهم بَشر – فكيف تعتقدون بأن أحدًا من خلق الله جل وعلا
يشاركه في الألوهية والربوبية تعالى عن ذلك علوا كبيرا , وبمثل هذا البيان
الواضح يبين الله تعالى البراهين والحجج لأصحاب العقول السليمة كي يجتنبوا
الشرك ويستقيموا على عبادة الله جل وعلا .
وهكذا فإنه لايمكن التسوية بين الخالق جل وعلا والمخلوق , لكن هؤلاء الذين
ظلموا أنفسهم بالشرك اتبعوا في ذلك أهواءهم المنحرفة عن جهل بما يجب لله
تعالى من الإفراد بالعبادة , فمن الذي يستطيع هداية من أضله الله بسبب
تماديه في الكفر والعناد ؟
لا أحد يستطيع ذلك , وسيبوء هؤلاء المشركون في الآخرة بعذاب جهنم , ولن
يجدوا لهم من ينصرهم ويخلصهم من عذاب الله تعالى .
ويقول الله تبارك وتعالى
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم : 30 )
(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا
مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الروم : 31 )
(مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم : 32 )
في هذه الآيات الكريمة يأمر الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقيم
وجهه لدين الإسلام مائلا إليه غير ملتفت إلى غيره , فإنه الدين الذي خلق
الله الناس عليه , كما جاء في الحديث الصحيح "ما من مولود إلا يولد على
الفطرة" فلا يصح ولايستقيم أن يبدِّل بعض الناس الدين الذي خلق الله البشر
عليه , فإن الإسلام هو الدين القويم الموافق للفطرة , ولكن أكثر الناس
يجهلون هذه الحقيقة, فلذلك ضلوا عن الطريق المستقيم .
فأقيموا وجوهكم أيها المسلمون راجعين إلى الله تعالى مخلصين له , واتقوا
سخطه , وذلك بفعل أوامره , واجتناب نواهيه , وأدوا الصلاة تامة بشروطها
وأركانها وواجباتها , واجتنبوا جميع أنواع الشرك مع الله تعالى حتى
لاتكونوا من المشركين , من الذين فرقوا الدين فلم يأخذوا به كله, بل أخذوا
ببعضه وتركوا بعضه تبعا لأهوائهم , فصاروا بذلك فرقًا وأحزابًا يتعصبون
لأحزابهم ورؤسائهم , كل حزب بما عندهم من الآراء والأهواء مسرورون من غير
نظر على كون ماهم عليه من الحق أو من الباطل .