ما هي حقيقة مُصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) ؟
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
لقد
كثُر الكلام حول ما يُسمى بمُصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) ، و لقد حاول
أعداء أهل البيت ( عليهم السَّلام ) التشنيع على الشيعة من خلال اتهامهم
بأن لهم قرآناً آخر يأخذون منه أحكام الدين غير القرآن الكريم يُسمونه مصحف
فاطمة .
هذا ما يقوله أعداء مدرسة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، و هو
اتهام رخيص ليس له أي قيمة علمية ، إذ سرعان ما يجد الباحث بطلان هذا
الكلام لدى رجوعه إلى الواقع الخارجي ، ولدى مراجعته للنصوص المأثورة عن
أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .
ثم أن هذا الاتهام ليس جديداً ، بل
يصل تاريخه إلى عهد الأمويين و العباسيين الذين عاصروا الأئمة ( عليهم
السَّلام ) ، و يدل على ذلك أسئلة الرّوات و أجوبة الأئمة ( عليهم السلام )
و تصريحاتهم النافية بشكل قاطع كون مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) قرآن
آخر .
لكن رغم كل ذلك ورغم الإجابات المتكررة التي أجاب بها العلماء
الأفاضل في مختلف العصور عن هذا السؤال فإننا نجد أن هناك من يجد بُغيته في
اتهام الشيعة بهذا الاتهام ، و لا يدفعه إلى ذلك طبعاً سوى المرض أو الجهل
.
أما الآن لنرى ما هو المقصود من مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) عند
أهل البيت ( عليهم السَّلام ) وعند أتباعهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية .
لمعرفة
ذلك لابد و إن نعرف أولاً المعنى اللغوي لكلمة المصحف ، ثم نأتي بعد ذلك
إلى الروايات والأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) كي
نعرف حقيقة مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) .
المعنى اللغوي للمصحف :
قال
الفرّاء في لفظ المصحف : " و قد استثقلت العرب الضمّة فكسرت ميمها و أصلها
الضم ، من ذلك مِصحف ... ، لأنها في المعنى مأخوذة من أصحف جمُعت فيه
الصُحف " [1] .
و قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية : " الفرق
بين الكتاب و المصحف ، أن الكتاب يكون ورقة واحدة و يكون جملة أوراق ، و
المصحف لا يكون إلا جماعة أوراق صحفت ، أي جمع بعضها إلى بعض " [2] .
و
كلمة مصحف مأخوذة من الصحيفة و هي القرطاس المكتوب ، و المصحف ـ مثلث الميم
ـ هو ما جُمع من الصحف بين دفتي الكتاب المشدود ، و لذلك قيل للقرآن مصحف ،
و عليه فكل كتاب يسمى مصحفاً [3] .
و قال ابن بابويه : صحيفة فاطمة ، أو مصحف فاطمة ، أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام ) [4] .
ما هو مُصْحَفُ فاطمة ؟
مصحف
فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) هو كتاب عظيم المنزلة أملاه جبرائيل
الأمين على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) بعد وفاة
أبيها رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و ذلك تسكيناً لها على حزنها
لفقد أبيها ( صلَّى الله عليه و آله ) .
أما كاتب هذا الكتاب هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، فقد كتبه بخطه المبارك .
و
مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) يُعتبر من جملة ودائع الإمامة ، قال الإمام
الرضا ( عليه السَّلام ) ـ و هو يَعُّد علامات الإمام المعصوم ( عليه
السَّلام ) ـ : " ... و يكون عنده مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) " [5] .
أما بالنسبة إلى مكان وجود هذا المصحف في الحال الحاضر فهو اليوم موجود عند الإمام المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرَجَه ) .
و
يُعتبر هذا المصحف أول مصنف في الإسلام ، حيث أن الزهراء ( عليها السَّلام
) توفيت في الثالث من شهر جمادى الأولى عام 11 هجري [6] ، و لم يكتب قبل
هذا التاريخ كتاب في عصر الإسلام .
فمصحف فاطمة هو مجموع حديث جبرائيل الأمين لفاطمة ( عليها السلام ) فهو وحي غير معجز كالحديث القدسي [7] و النبوي .
و
لا غرابة في ذلك إذ أن الزهراء ( عليها السَّلام ) كانت محدّثة ، و ليست
الزهراء هي الوحيدة التي حدّثتها الملائكة ، فقد كانت مريم بنت عمران
محدّثة ، كما كانت أم موسى بن عمران ( عليه السَّلام ) محدّثة ، و سارة
زوجة النبي إبراهيم ( عليه السَّلام ) أيضاً كانت محدّثة فقد رأت الملائكة
فبشروها بإسحاق و يعقوب .
ذلك أن الحديث مع الملائكة رغم أهميته و عظمته
فهو ليس من علامات النبوة و خصائصها ، فمن ذكرناهن لسن من جملة الأنبياء
كما هو واضح ، لكن الملائكة تحدثت إليهن ، و إلى هذا يشير محمد بن أبي بكر
قائلاً :
إن مريم لم تكن نبية و كانت محدّثة ، و أم موسى بن عمران كانت
محدّثة و لم تكن نبية ، و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها
بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب و لم تكن نبية ، و فاطمة بنت رسول الله (
صلَّى الله عليه و آله ) كانت محدّثة و لم تكن نبية " [8] .
المعصومون و مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) :
عندما
سئل الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن مصحف فاطمة ( عليها السَّلام )
قال : " إن فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) خمسة و
سبعين يوماً ، و كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، و كان جبرئيل يأتيها
فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و
يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، و كان عليّ ( عليه السَّلام ) يكتب ذلك
، فهذا مصحف فاطمة " [9] .
عن حمّاد بن عثمان ، عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) أنه لما سأله : و ما مصحف فاطمة ؟
قال
( عليه السَّلام ) : " ... إن الله تعالى لمّا قبض نبيه ، ( صلَّى الله
عليه و آله ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عَزَّ و
جَلَّ ، فأرسل الله إليها ملكا يسلّي غمّها و يحدثها ، فشكت [10] ذلك إلى
أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فقال : إذا أحسست بذلك و سمعت الصوت قولي
لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) يكتب كلّما سمع
حتى أثبت من ذلك مصحفاً " .
ثم قال : " أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " [11] .
ليس في مصحف فاطمة شيء من القرآن :
قال
الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و إن عندنا لمصحف فاطمة ( عليها
السَّلام ) و ما يدريهما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات
[12] ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاه الله و أوحى
إليها " [13] .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن ... " [14] .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و عندنا مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) أما والله ما فيه حرف من القران ... " [15] .
و
قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب
الله ، و إنما هو شيء القي عليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليهما ) " [16]
.
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... وفيه مصحف فاطمة ، و ما فيه آية من القران " [17] .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و عندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما هو بالقران " [18] .
ما يحتويه مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) :
قال
الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن
عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها
بما يكون بعدها في ذريتها ... " [19] .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و ليخرجوا مصحف فاطمة فان فيه وصية فاطمة " [20] .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " [21] .
و
في الإمامة و التبصرة ، لابن بابويه القمي : صحيفة فاطمة أو مصحف فاطمة ،
أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام )
، كان عند الأئمة ، وردت فيه أسماء من يملك من الملوك [22] .
مصحف فاطمة : ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة [23] .
و قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها على الأخبار فقط ... [24] .
[1] إصلاح المنطق : 354 ، لابن سكّيت ، و الصحاح : 4 / 1384 ، للجوهري .
[2] الفروق اللغوية : 447 .
[3] دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 ، لآية الله المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) .
[4] الإمامة و التبصرة : 12 .
[5]
الخصال : 528 ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (
عليهم السلام ) ) : 25 / 117 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود
باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ،
بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[6] دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 .
[7]
قال العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) : الحديث
القدسي هو كلام الله المنزل ـ لا على وجه الإعجاز ـ الذي حكاه أحد
الأنبياء أو أحد الأوصياء ، مثل ما رُوي أن الله تعالى قال: " الصوم لي
وأنا اُجزي به " ، يراجع : أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية : 20 .
[8] بحار الأنوار : 39 / 55 و 39 / 79 .
[9]
الكافي : 1 / 241 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ،
المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب
الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران . و بحار الأنوار :
22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ، لمحمد بن حسن بن فروخ الصَّفار ،
المتوفى سنة : 290 هجرية بقم ، الطبعة الثانية ، مكتبة آية الله المرعشي
النجفي ، قم / إيران ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ،
حديث ( 5387 ) ، لآية الله السيد كاظم القزويني ( رحمه الله ) .
[10] أي أخبرت .
[11]
الكافي : 1 / 240 ، وبصائر الدرجات : 177 ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه
السلام ) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
[12] إشارة إلى حجم هذا الكتاب بالقياس إلى القرآن الكريم .
[13] بصائر الدرجات : 152 ، و بحار الأنوار : 26 / 39 .
[14] بصائر الدرجات : 156 .
[15] بصائر الدرجات : 158 و 161 .
[16] بصائر الدرجات : 159 .
[17] بصائر الدرجات : 160 .
[18] بحار الأنوار : 26 / 38 .
[19]
الكافي : 1 / 241 ، و بحار الأنوار : 22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ،
حديث ( 6 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ، حديث (
5387 ) .
[20] بحار الأنوار : 26 / 43 .
[21] الكافي : 1 / 240 ، و
بصائر الدرجات : 177 ، حديث ( 18 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام
) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
[22] الإمامة والتبصرة : 12 .
[23] الخرائج و الجرائح : 2 / 894 ، أعلام الورى : 285 ، بحار الأنوار : 26 / 18 .
[24] بحار الأنوار :26 / 40 .